الصويرة.. حفل روحي مغربي إسرائيلي
كان مشهدا استثنائيا وعظيما، ولقاء صوفيا بطعم فني إسلامي يهودي، يستحيل أن تشاهده أو يتحقق في أي بقعة أو مدينة من العالمين العربي والإسلامي ، لكن في مدينة الحوار والتسامح الصويرة صار ممكنا، وتحديدا بمهرجانها « الأندلسيات الأطلسية »..بدار الصويري وقبل منتصف الليل موعد الحفل يوم الجمعة 28 أكتوبر الجاري، كان الاستعدادات مختلفة، كل شيء تغير حتى موقع الخشبة المعتاد، اختفت تماما من مكانها وحل محلها في قلب الفضاء، ما يشبه مكتبا طويلا من حيث مسافته حتى يستوعب كل أعضاء المجموعتين نجما العرض المنتظر، مجموعة « مطروز » الإسرائيلية بقيادة الحاخام رابين أبراهام إدري، ومجموعة « الأنوار المحمدية » المغربية برئاسة المعلم حمزة جورطي..
كان أداؤهما في غاية الانسجام والتناغم، وجاء مصاغا في ما يشبه لعبة « البينغ بونغ »، ما أن تنتهي فرقة من غناء مقطعها، حتى تلتقط منها الكرة، المجموعة الثانية وتنطلق في ترديد مقطعها، كل واحد بلغته بدون آلات ولا جوقة موسيقية، اللهم استخدام اليدين في التصفيق واعتماد المجموعة اليهودية « مطروز » على الطاولة كآلة إيقاعية بشكل احترافي ينم عن حس موسيقي ، وظلت على هذا الحال بإيقاع هادئ وخفيف لا يؤثر على الأذن حتى نهاية العرض، حسب ما أورده موقع « أحداث.أنفو ».
أن تجتمع مجموعتان يهودية ومسلمة في إطار حفل واحد وبذاك الشكل الراقي، يعد ثمرة سنوات من السعي لتكريس الحوار بين مختلف الأديان ونبذ الأصولية الدينية والفكرية، من طرف جمعية « الصويرة موغادور »، إذ كانت لها نظرة استباقية على أن هذا اليوم آت لا محالة إلى المغرب، لذلك ظلت تهيء له ثقافيا وفكريا، قبل أن يتبلور فنيا وموسيقيا، ويجلس فنانون مغاربة واسرائليون على قلب رجل واحد لينثروا الفرح والسرور والسكينة بين الجمهور الغفير الحاضر، بكل حب وبعيدا عن أي ضغينة أو حقد..
حفل مجموعتي « الأنوار المحمدية » و »مطروز » يعد أعمق عرض فني ذو طابع ديني ضمن عروض النسخة 18 لمهرجان « الأندلسيات الأطلسية »، كان مميزا ومختلفا واستثنائيا في كل شيء بسبب بساطة متطلباته، لم يتطلب قائمة شروط تقنية طويلة، ولا القيام بعملية « بالنس » الخاصة بالآلات الموسيقية، السر كله كامن بالحنجرة وتوظيف اليدين، وكورال صوتي من هنا، وكورال صوتي من هناك، وانطلق الحفل في إطار ما هو صوفي وديني، قبل أن يعرج على أغاني أندلسية راقصة منها « شمس العشية » أدتها الفرقتان معا بلغة القصيدة..لقد أبدعتا عن حق في كل شيء غناء وإيقاعا ومحبة وإخاء، فبعد نهاية كل قطعة، تقوم عناصر الفرقتين من كراسيها لتحية بعضهما بالأيادي والعناق، حتى أضحى هذا المشهد كما لو كان لازمة تتكرر عند كل توقف وانتقال من أداء غنائي لآخر.
« برافو » جمعية « الصويرة موغادور » ورئيسها المؤسس أندري أزولاي، وكل الفريق العامل بالمهرجان ومديره الفني عبد السلام الخلوفي على هذا الحفل تحديدا، إذ يضمر رسالة أن الثقاقة تبقى الجسر الأسلم للحوار والتعايش والانفتاح على الآخر، أملا بإحداث اختراق في الجدار السياسي ولو رويدا رويدا…
أحداث أنفو