نموذج للصبر والمثابرة.. سبعينية من تزنيت تجتاز الامتحانات الإشهادية الابتدائية
بلحافها التقليدي الحايك، تغادر فاطمة رحاة، قاعة الاختبار بخطى ثابتة وسعادة كبيرة تشبه الدخول المدرسي الأول لطفلة صغيرة لم تغادرها أحلام الصبا، متسلحة بالرغبة الأكيدة والجامحة التي تملكتها في الحصول على شهادة تعليمية تكون شاهدة على عزم وإصرار لا مثيل لهما.
متحدية حاجز العمر، أبت السيدة فاطمة، إلا أن تشكل نموذجا يحتذى به في الصبر والمثابرة لتحقيق هدفها بمواصلة تعليمها والترشح لاجتياز الامتحان الإقليمي الموحد لنيل شهادة الدروس الابتدائية (فئة المترشحين الأحرار – دورة يونيو 2023)، بمديرية تزنيت.
تغلف سعادة عارمة حديث السيدة فاطمة رحاة، الأم لسبعة أبناء وأربعة عشر حفيدا، عن هذه التجربة التي خاضت غمارها وهي في الرابعة والسبعين من عمرها، بعد حوالي ستة عقود كان من المفترض أن تجتاز فيها امتحان « الشهادة » آنذاك.
بدأت قصتها مع متابعة تعليمها قبل 12 سنة خلت حينما قررت التسجيل للاستفادة من دروس برنامج محو الأمية التي تقدمها إحدى الجمعيات الناشطة في هذا المجال على صعيد إقليم تزنيت.
وتقول السيدة فاطمة، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها دأبت على حضور دروس محو الأمية مزاوجة في ذلك بين التزاماتها الأسرية واهتماماتها الجمعوية، دون أن يخطر على بالها بأنها ستكون في يوم من الأيام جالسة على مقاعد الدراسة، مترشحة لاجتياز امتحان إشهادي، فقد كان التعلم بالنسبة لها، في هذه السن المتقدمة، مجرد فرصة متأخرة لاكتساب معارف وتعلم مهارات القراءة والكتابة والحساب.
وعن فكرة الترشح لاجتياز الامتحان الإشهادي، تورد فاطمة أن الفضل في ذلك يعود إلى أقاربها وزميلاتها في الدراسة، الذين أقنعوها وحمسوها على ذلك، فما كان منها إلا أن حركت همتها، معبرة عن شعورها « كمن يكتشف قيمة التعلم في وقت لاحق »، إذ بات بإمكانها، اليوم، قراءة رسائل الهاتف التي تصلها من أقاربها، أو مشاهدة التلفاز وقراءة شريط الأخبار، وحتى اكتساب المعارف والقيم الدينية اللازمة لممارسة الشعائر التعبدية، دونما حاجة إلى مساعدة شخص آخر.
أما بخصوص استعدادها للامتحان، فتضيف بأن أولادها سهروا على مساعدتها كما هو الشأن بالنسبة لمعارفها الذين لم يتوانوا في مد يد المساعدة إليها حتى تتغلب على الصعوبات التي اعترضتها، مؤكدة أنها تطمح إلى مواصلة مسارها التعليمي، وكذا إلى تعلم لغة « موليير » التي مازالت تعاني من قصور في قراءة حروفها.
بعفوية وإحساس بالارتياح، ترى السيدة فاطمة أن العمر لا يعيق القدرة على التعلم، ولا يجب أن يكون كذلك، موجهة رسالتها إلى كل أولئك الذين لم تسمح لهم ظروفهم بولوج التعليم، صغارا وكبارا، بأن يبادروا إلى ذلك ولو في سن متقدم.
من جهته، يؤكد إطار المراقبة التربوية بالمفتشية الإقليمية بتزنيت، عيسى أهني، هذا المعطى، ويرى أن تصميم السيدة فاطمة، وهي في هذا السن، على اجتياز الامتحان الإشهادي من أجل الحصول على شهادة الدروس الابتدائية، يوضح بأن العلم والثقافة لا عمر لهما، مشيرا إلى أنها ستشكل، لا محالة، قدوة ورمزا للتضحية والتحدي العلمي والدراسي.
اطلبوا العلم ولو بعد السبعين، عبارة جسدتها فاطمة رحاة، الجدة والأم والزوجة، بفضل مثابرتها في سبيل الوصول إلى هدفها، متحدية ظروفها الصحية وهرمها، وهي تتطلع اليوم إلى الحصول على شهادة الدروس الابتدائية لتعلن أن أيام عمرها لا تقاس بالأرقام ولكن بما حققته في سبيليها.
و م ع